هذه واقعة شهدتها بنفسى من سنوات:
كنت أمر بجوار سينما راديو فى وسط البلد وتوقفت لشراء الجرائد من البائعة الموجودة هناك.. وجدت الجرائد والكتب مفروشة فى مكانها على الرصيف لكن البائعة لم تكن موجودة. ظننت أنها ذهبت لقضاء أمر ما وسوف تعود فوقفت أنتظرها، وسرعان ما انتبهت إلى لافتة موضوعة على الجرائد مكتوبة بحروف كبيرة متعرجة. تقول فيها البائعة إن الشرطة قد قبضت عليها ظلما بإيعاز من صاحب معرض الأحذية المجاور لها وأنها تنفق من بيع الصحف على أولادها اليتامى ثم تطلب من الزبائن أن يختاروا ما يريدون من الصحف ويضعوا ثمنها فى صندوق من الورق المقوى صنعت فيه فتحة من أعلى ووضعته فوق الجرائد.. أخذت الجريدة ووضعت ثمنها فى فتحة الصندوق ثم خطر لى أن أرى ما سوف يفعله بقية الزبائن. ابتعدت عن المكان وأخذت أراقب ما يحدث لمدة نصف ساعة كاملة.. توافد على المكان عدة زبائن، تصرفوا جميعا بنفس الطريقة.. قرأ كل واحد فيهم اللافتة واستغرب وتردد قليلا ثم أخذ ما يريد من جرائد ووضع الثمن فى فتحة الصندوق. شخص واحد تصرف بطريقة مختلفة: بعد أن أخذ الجريدة قام بفتح الصندوق وسحب منه بعض المال ثم وضع ورقة مالية كبيرة فيه وأغلقه.. أى أنه فك الورقة المالية من الصندوق..
فكرت بعد ذلك فيما حدث.. هؤلاء مصريون عاديون وجدوا أنفسهم فجأة بلا رقيب، كان بإمكان أى واحد فيهم أن يأخذ ما يريده من جرائد ومجلات مجانا أو يستولى على النقود من الصندوق لكنهم جميعا تصرفوا بأمانة وحرصوا على إعطاء البائعة الغائبة حقها كاملا.. فكرت أيضا أن هؤلاء المارة، بالرغم من تصرفهم الشريف مع البائعة، قد يتصرفون بطريقة مختلفة فى مواقف أخرى.. فلو أنهم استطاعوا مثلا أن يتهربوا من دفع الضرائب لما ترددوا لحظة. ما الذى يجعل نفس الشخص يتصرف بأمانة مع بائعة متجولة ثم يتحايل للتهرب من دفع الضرائب؟!
السبب أنهم فى الحالة الأولى وجدوا أنفسهم إزاء قضية حقيقية عادلة: سيدة مكافحة تربى أيتاما قبضت عليها الشرطة ظلما.. أما ضرائب الدولة فهى بالنسبة إليهم قضية كاذبة. لأنهم يدركون مدى فساد الحكومة ويعلمون أن الفقير فى مصر هو الذى يدفع الضرائب كاملة أما الأغنياء والكبراء فعادة ما يستعينون بمكاتب محاسبة كبيرة تعفيهم من الضرائب بطريقة قانونية. وهم يعلمون أن الضرائب نادرا ما تنفق من أجل خدمة المواطنين.. إن هؤلاء المارة البسطاء يشكلون نموذجا للكتلة الكبرى من الشعب المصرى.. إن أعضاء الحزب الوطنى الحاكم والمنتمين إلى الإخوان المسلمين والناشطين السياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية جميعا، كل هؤلاء لا يزيد عددهم فى أفضل تقدير على خمسة ملايين مصرى.. معنى ذلك أن هناك خمسة وسبعين مليون مصرى يشكلون الأغلبية الصامتة فى مصر وهم منسحبون تماما من الحياة السياسية..
وهذا الانسحاب يعود فى رأيى إلى ثلاثة أسباب: أولا: إن المصريين لا يثقون إطلاقا فى كل ما يفعله النظام أو يقوله بل إنهم يستدلون من البيانات الرسمية على عكس ما تؤكده.. فإذا أعلنت وزارة الصحة مثلا عن خلو مصر من مرض ما تأكد لهم أن المرض موجود وإذا نفت الحكومة نيتها فى رفع الأسعار تأكد لهم أنها سترفعها.. هذا التراث من انعدام الثقة بين المصريين والحكومة يجعلهم دائما يفضلون عدم التعامل معها لأنهم لا يتوقعون منها إلا الكذب والشر.. السبب الثانى: أن المصريين لا يرون فى صفوف المعارضة شخصية مقنعة لها مصداقية وهم يعتبرون أن معظم أحزاب المعارضة لا تقل فسادا ولا نفاقا عن الحكومة.. والسبب الثالث لانسحاب المصريين: أنهم يخوضون نضالا يوميا مريرا، يستنفد طاقتهم، من أجل توفير الطعام ونفقات التعليم لأولادهم..
على أن انسحاب معظم المصريين من العمل العام لا يعنى إطلاقا أنهم سلبيون أو جبناء أو غير مهتمين بما يحدث فى بلادهم.. بالعكس فإن لديهم طريقتهم فى تقدير الأحداث والتفاعل معها.. هؤلاء الصامتون هم الذين تظاهروا بالآلاف فى محافظات مصر جميعا وتحملوا الضرب والاعتقال والتعذيب، احتجاجا على العدوان الأمريكى على العراق وتعاطفا مع ضحايا مذبحة غزة، وهؤلاء الصامتون هم الذين نظموا مئات الإضرابات وخرجوا ليقطعوا الطرق السريعة احتجاجا على الظروف غير الآدمية التى يعيشون فيها.. إن الإنسان المصرى البسيط كثيرا ما يملك فطرة سياسية سليمة تمكنه من التقدير الصحيح أفضل من بعض الأكاديميين والمثقفين.. ففى عام 1970 مات جمال عبدالناصر بعد ما لحقت به هزيمة مهينة أدت إلى احتلال مصر.. واشتبك المثقفون يوم ذاك فى نقاش طويل، مازال مستمرا حتى اليوم، عن إيجابيات عبدالناصر وسلبياته.. أما المصريون العاديون فقد خرجوا بالملايين يودعون جثمان الزعيم فى مشهد أسطورى لم تعرفه مصر من قبل إلا مع الزعيم سعد زغلول.. لقد غفر المصريون لعبدالناصر هزيمته وعيوب نظامه لأنهم أدركوا بحسهم السليم كم كان مخلصا وشريفا ونبيلا.. وبعد ذلك بسنوات عندما وقع أنور السادات اتفاقية الصلح مع إسرائيل، لم يستطع المصريون معارضة الاتفاقية لكنهم أبطلوا مفعولها بطريقتهم فقاطعوا الإسرائيليين تماما ولم يسامحوا أى مصرى تعامل معهم.. إن الأغلبية الصامتة فى مصر ليست فى غيبوبة وليست منعزلة عن الحياة لكن لها طريقتها الخاصة فى تقدير الأحداث والتفاعل معها..
خلال الأحداث المؤسفة التى جرت مؤخرا بين مصر والجزائر بسبب مبارة كرة القدم.. وبغض النظر عن الحرب الإعلامية المنحطة المتبادلة بين البلدين، أحس المصريون بأن ما حدث فى أم درمان أكبر بكثير من شغب الملاعب، لقد تورط النظام الجزائرى فى جريمة منظمة استعملت فيها طائرات حربية لجلب البلطجية الذين اعتدوا على كرامة وأعراض المصريين.. أحس المصريون بالغضب لكن بعض الكتاب والمثقفين، كعادتهم، لم يفهموا إحساس المصريين بالإهانة وتعالوا عليهم واتهموهم بالغوغائية. فى الأسبوع الماضى أصدرت المناضلة الجزائرية الشهيرة جميلة بوحريد بيانا أعلنت فيه أنها تعانى من ضائقة مالية وتحتاج إلى نفقات لعلاجها من أمراض الشيخوخة.. وتم فتح باب التبرع من أجل جميلة بوحريد فبلغت تبرعات المصريين كما نشرت جريدة اليوم السابع 80 ألف جنيه فى يومين اثنين.. وهكذا يثبت المصريون مرة أخرى حسهم الحضارى الرفيع.. فهم يطلبون اعتذارا رسميا من النظام الجزائرى على الجرائم التى ارتكبها فى حق المصريين لكنهم فى نفس الوقت يفهمون جيدا الفرق بين النظام الجزائرى والشعب الجزائرى، ويفهمون أيضا الفرق بين بلطجية الجزائر وأبطالها وشهدائها.. وبالرغم من إحساسهم بالإهانة مما فعله بلطجية الجزائر فإنهم يعتبرون أن من واجبهم المساهمة بقدر المستطاع فى علاج مناضلة عظيمة طالما أحبوها واعتبروها نموذجا للشرف والشجاعة..
ليس المقصود بالطبع أن المصريين شعب بلا عيوب، بل إن النظام الفاسد الظالم الجاثم على أنفاس المصريين قد أصابهم بعيوب سلوكية عديدة من واجبنا أن ننتقدها ونعالجها لكن ليس من حقنا أبدا أن نتعالى على المصريين أو نسخر منهم أو نهينهم. إن قيمة المثقف الحقيقية تتحدد وفقا لعلاقته بالناس، هكذا يعلمنا التاريخ.. إن المثقف الذى ينفصل عن الشعب ويحتقره، يفقد قيمته وتأثيره فورا، مهما تكن درجة موهبته أو ثقافته.. آخر الدروس التى نتعلمها من الشعب المصرى رد فعله على محاولات التوريث.. على مدى سنوات تم إنفاق ملايين الجنيهات وعقدت عشرات الندوات وكتبت مئات المقالات من أجل تقديم الأستاذ جمال مبارك كرئيس مصر القادم.. لكن المصريين لم يقتنعوا بذلك قط وما أن ظهر الدكتور محمد البرادعى كمرشح محتمل للرئاسة وأحس المصريون بكفاءته وإخلاصه حتى اندفعوا يؤيدونه بحماس.. إن مصر مؤهلة الآن للتغيير أكثر من أى وقت مضى.. لكن التغيير لن يتم إلا اذا تعلمنا كيف نفهم الشعب المصرى ونحترمه ونحبه.. عندئذ فقط سوف تنهض مصر.
كنت أمر بجوار سينما راديو فى وسط البلد وتوقفت لشراء الجرائد من البائعة الموجودة هناك.. وجدت الجرائد والكتب مفروشة فى مكانها على الرصيف لكن البائعة لم تكن موجودة. ظننت أنها ذهبت لقضاء أمر ما وسوف تعود فوقفت أنتظرها، وسرعان ما انتبهت إلى لافتة موضوعة على الجرائد مكتوبة بحروف كبيرة متعرجة. تقول فيها البائعة إن الشرطة قد قبضت عليها ظلما بإيعاز من صاحب معرض الأحذية المجاور لها وأنها تنفق من بيع الصحف على أولادها اليتامى ثم تطلب من الزبائن أن يختاروا ما يريدون من الصحف ويضعوا ثمنها فى صندوق من الورق المقوى صنعت فيه فتحة من أعلى ووضعته فوق الجرائد.. أخذت الجريدة ووضعت ثمنها فى فتحة الصندوق ثم خطر لى أن أرى ما سوف يفعله بقية الزبائن. ابتعدت عن المكان وأخذت أراقب ما يحدث لمدة نصف ساعة كاملة.. توافد على المكان عدة زبائن، تصرفوا جميعا بنفس الطريقة.. قرأ كل واحد فيهم اللافتة واستغرب وتردد قليلا ثم أخذ ما يريد من جرائد ووضع الثمن فى فتحة الصندوق. شخص واحد تصرف بطريقة مختلفة: بعد أن أخذ الجريدة قام بفتح الصندوق وسحب منه بعض المال ثم وضع ورقة مالية كبيرة فيه وأغلقه.. أى أنه فك الورقة المالية من الصندوق..
فكرت بعد ذلك فيما حدث.. هؤلاء مصريون عاديون وجدوا أنفسهم فجأة بلا رقيب، كان بإمكان أى واحد فيهم أن يأخذ ما يريده من جرائد ومجلات مجانا أو يستولى على النقود من الصندوق لكنهم جميعا تصرفوا بأمانة وحرصوا على إعطاء البائعة الغائبة حقها كاملا.. فكرت أيضا أن هؤلاء المارة، بالرغم من تصرفهم الشريف مع البائعة، قد يتصرفون بطريقة مختلفة فى مواقف أخرى.. فلو أنهم استطاعوا مثلا أن يتهربوا من دفع الضرائب لما ترددوا لحظة. ما الذى يجعل نفس الشخص يتصرف بأمانة مع بائعة متجولة ثم يتحايل للتهرب من دفع الضرائب؟!
السبب أنهم فى الحالة الأولى وجدوا أنفسهم إزاء قضية حقيقية عادلة: سيدة مكافحة تربى أيتاما قبضت عليها الشرطة ظلما.. أما ضرائب الدولة فهى بالنسبة إليهم قضية كاذبة. لأنهم يدركون مدى فساد الحكومة ويعلمون أن الفقير فى مصر هو الذى يدفع الضرائب كاملة أما الأغنياء والكبراء فعادة ما يستعينون بمكاتب محاسبة كبيرة تعفيهم من الضرائب بطريقة قانونية. وهم يعلمون أن الضرائب نادرا ما تنفق من أجل خدمة المواطنين.. إن هؤلاء المارة البسطاء يشكلون نموذجا للكتلة الكبرى من الشعب المصرى.. إن أعضاء الحزب الوطنى الحاكم والمنتمين إلى الإخوان المسلمين والناشطين السياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية جميعا، كل هؤلاء لا يزيد عددهم فى أفضل تقدير على خمسة ملايين مصرى.. معنى ذلك أن هناك خمسة وسبعين مليون مصرى يشكلون الأغلبية الصامتة فى مصر وهم منسحبون تماما من الحياة السياسية..
وهذا الانسحاب يعود فى رأيى إلى ثلاثة أسباب: أولا: إن المصريين لا يثقون إطلاقا فى كل ما يفعله النظام أو يقوله بل إنهم يستدلون من البيانات الرسمية على عكس ما تؤكده.. فإذا أعلنت وزارة الصحة مثلا عن خلو مصر من مرض ما تأكد لهم أن المرض موجود وإذا نفت الحكومة نيتها فى رفع الأسعار تأكد لهم أنها سترفعها.. هذا التراث من انعدام الثقة بين المصريين والحكومة يجعلهم دائما يفضلون عدم التعامل معها لأنهم لا يتوقعون منها إلا الكذب والشر.. السبب الثانى: أن المصريين لا يرون فى صفوف المعارضة شخصية مقنعة لها مصداقية وهم يعتبرون أن معظم أحزاب المعارضة لا تقل فسادا ولا نفاقا عن الحكومة.. والسبب الثالث لانسحاب المصريين: أنهم يخوضون نضالا يوميا مريرا، يستنفد طاقتهم، من أجل توفير الطعام ونفقات التعليم لأولادهم..
على أن انسحاب معظم المصريين من العمل العام لا يعنى إطلاقا أنهم سلبيون أو جبناء أو غير مهتمين بما يحدث فى بلادهم.. بالعكس فإن لديهم طريقتهم فى تقدير الأحداث والتفاعل معها.. هؤلاء الصامتون هم الذين تظاهروا بالآلاف فى محافظات مصر جميعا وتحملوا الضرب والاعتقال والتعذيب، احتجاجا على العدوان الأمريكى على العراق وتعاطفا مع ضحايا مذبحة غزة، وهؤلاء الصامتون هم الذين نظموا مئات الإضرابات وخرجوا ليقطعوا الطرق السريعة احتجاجا على الظروف غير الآدمية التى يعيشون فيها.. إن الإنسان المصرى البسيط كثيرا ما يملك فطرة سياسية سليمة تمكنه من التقدير الصحيح أفضل من بعض الأكاديميين والمثقفين.. ففى عام 1970 مات جمال عبدالناصر بعد ما لحقت به هزيمة مهينة أدت إلى احتلال مصر.. واشتبك المثقفون يوم ذاك فى نقاش طويل، مازال مستمرا حتى اليوم، عن إيجابيات عبدالناصر وسلبياته.. أما المصريون العاديون فقد خرجوا بالملايين يودعون جثمان الزعيم فى مشهد أسطورى لم تعرفه مصر من قبل إلا مع الزعيم سعد زغلول.. لقد غفر المصريون لعبدالناصر هزيمته وعيوب نظامه لأنهم أدركوا بحسهم السليم كم كان مخلصا وشريفا ونبيلا.. وبعد ذلك بسنوات عندما وقع أنور السادات اتفاقية الصلح مع إسرائيل، لم يستطع المصريون معارضة الاتفاقية لكنهم أبطلوا مفعولها بطريقتهم فقاطعوا الإسرائيليين تماما ولم يسامحوا أى مصرى تعامل معهم.. إن الأغلبية الصامتة فى مصر ليست فى غيبوبة وليست منعزلة عن الحياة لكن لها طريقتها الخاصة فى تقدير الأحداث والتفاعل معها..
خلال الأحداث المؤسفة التى جرت مؤخرا بين مصر والجزائر بسبب مبارة كرة القدم.. وبغض النظر عن الحرب الإعلامية المنحطة المتبادلة بين البلدين، أحس المصريون بأن ما حدث فى أم درمان أكبر بكثير من شغب الملاعب، لقد تورط النظام الجزائرى فى جريمة منظمة استعملت فيها طائرات حربية لجلب البلطجية الذين اعتدوا على كرامة وأعراض المصريين.. أحس المصريون بالغضب لكن بعض الكتاب والمثقفين، كعادتهم، لم يفهموا إحساس المصريين بالإهانة وتعالوا عليهم واتهموهم بالغوغائية. فى الأسبوع الماضى أصدرت المناضلة الجزائرية الشهيرة جميلة بوحريد بيانا أعلنت فيه أنها تعانى من ضائقة مالية وتحتاج إلى نفقات لعلاجها من أمراض الشيخوخة.. وتم فتح باب التبرع من أجل جميلة بوحريد فبلغت تبرعات المصريين كما نشرت جريدة اليوم السابع 80 ألف جنيه فى يومين اثنين.. وهكذا يثبت المصريون مرة أخرى حسهم الحضارى الرفيع.. فهم يطلبون اعتذارا رسميا من النظام الجزائرى على الجرائم التى ارتكبها فى حق المصريين لكنهم فى نفس الوقت يفهمون جيدا الفرق بين النظام الجزائرى والشعب الجزائرى، ويفهمون أيضا الفرق بين بلطجية الجزائر وأبطالها وشهدائها.. وبالرغم من إحساسهم بالإهانة مما فعله بلطجية الجزائر فإنهم يعتبرون أن من واجبهم المساهمة بقدر المستطاع فى علاج مناضلة عظيمة طالما أحبوها واعتبروها نموذجا للشرف والشجاعة..
ليس المقصود بالطبع أن المصريين شعب بلا عيوب، بل إن النظام الفاسد الظالم الجاثم على أنفاس المصريين قد أصابهم بعيوب سلوكية عديدة من واجبنا أن ننتقدها ونعالجها لكن ليس من حقنا أبدا أن نتعالى على المصريين أو نسخر منهم أو نهينهم. إن قيمة المثقف الحقيقية تتحدد وفقا لعلاقته بالناس، هكذا يعلمنا التاريخ.. إن المثقف الذى ينفصل عن الشعب ويحتقره، يفقد قيمته وتأثيره فورا، مهما تكن درجة موهبته أو ثقافته.. آخر الدروس التى نتعلمها من الشعب المصرى رد فعله على محاولات التوريث.. على مدى سنوات تم إنفاق ملايين الجنيهات وعقدت عشرات الندوات وكتبت مئات المقالات من أجل تقديم الأستاذ جمال مبارك كرئيس مصر القادم.. لكن المصريين لم يقتنعوا بذلك قط وما أن ظهر الدكتور محمد البرادعى كمرشح محتمل للرئاسة وأحس المصريون بكفاءته وإخلاصه حتى اندفعوا يؤيدونه بحماس.. إن مصر مؤهلة الآن للتغيير أكثر من أى وقت مضى.. لكن التغيير لن يتم إلا اذا تعلمنا كيف نفهم الشعب المصرى ونحترمه ونحبه.. عندئذ فقط سوف تنهض مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق